إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة: أوقفو الاعتداء على حرية التعبير واحموا المدنيين

إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة: أوقفو الاعتداء على حرية التعبير واحموا المدنيين - Protection

Palestinians flee north Gaza as Israeli tanks roll deeper into the enclave amid the ongoing conflict between Israel and Hamas, 12 November, 2023. Photo: Ibraheem Abu Mustafa/Reuters

شعر منظمة المادة 19 بالفزع إزاء الكارثة الإنسانية التي تتكشف في قطاع غزة المحتل، فالهجمات المتواصلة وغير المتناسبة التي تشنها إسرائيل ردًا على عمليات قتل واختطاف المدنيين التي نفذتها حماس في الشهر الماضي قد تسببت في خسائر فادحة؛ كما أن التجاهل الصارخ لحقوق الإنسان ومبادئ القانون الإنساني الذي نشهده أمر مقلق للغاية، ونحن ندين بأشد العبارات ما يتم من اعتداء شامل على حرية التعبير الذي يديم دورات العنف وانتشار المعلومات المضللة، ويعيق الإبلاغ عن الصراع ، ويحد من الوصول إلى المعلومات المنقذة للحياة، ويعطل العمليات الحيوية للمستشفيات والمنظمات الإنسانية؛ وهذا يجب أن يتوقف الآن؛ فاحترام حرية التعبير أمر ضروري لوضع حد للأعمال العدائية المستمرة وضمان المساءلة عن الجرائم الدولية، ونحن نكرر  دعوتنا العاجلة إلى وقف فوري لإطلاق النار من قبل جميع الأطراف لإنهاء هذه الأزمة الإنسانية غير المسبوقة ومنع المزيد من الخسائر في أرواح المدنيين.

وفق الأمم المتحدة ، قُتل، إلى حدود 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ما يقرب من 12200 شخص منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وقد قُتل ما لا يقل عن 1200 إسرائيلي وأجنبي، وتم اختطاف أكثر من 240 آخرين في الهجمات الخطيرة التي نفذتها حماس في إسرائيل، وإلى حين كتابة هذا التقرير، قُتل ما لا يقل عن  11078فلسطينيًا بسبب القصف الإسرائيلي المتواصل على غزة كرد على الهجوم، ويُقال إن 68% منهم من الأطفال والنساء؛ ووفق تقديرات الأمم المتحدة، هناك 160 طفلًا يقتلون في غزة كل يوم، وقد تم الإبلاغ عن فقدان أكثر من 3250 شخصًا من بينهم 1700 طفلًا ربما لا يزالوا محاصرين أو ماتوا تحت الأنقاض. 

وقُتل في الضفة الغربية، 172 فلسطينيًا، منذ هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، من بينهم 46 طفلًا على يد القوات الإسرائيلية، وقُتل ثمانية فلسطينيين، من بينهم طفل واحد، على يد مستوطنين إسرائيليين مسلحين، وقتل ثلاثة إسرائيليين في هجمات شنها فلسطينيون.  

ويستمر الدمار على نطاق ينذر بالخطر الشديد. 

في بيئة تتسم بالتجاهل الصارخ للقانون الدولي تتعرض جميع حقوق الإنسان للتهديد، وعلى كل أطراف النزاع الامتثال لقوانين الحرب بغض النظر عن كيفية نشوء النزاع، فالهجمات التي شنتها حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول لا تعفي إسرائيل من التزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني الذي يتأصل فيه الاعتراف بوجود صراعات مسلحة، ولكن حتى خلال هذه الصراعات، فإن الضرر الذي يمكن أن يحدث ليس بلا قيود، وهذه القواعد تحمي المبادئ الأساسية للإنسانية، مثل حظر العقاب الجماعي والالتزام بتجنب المعاناة غير الضرورية، وهي تنطبق دون النظر إلى سلوك الخصم.

تشعر منظمة المادة 19 (كذلك بقلق بالغ إزاء كون حرية التعبير والإعلام هي ضحية أخرى للنزاع، ونُذكّر بأن أي طرف في الحرب عليه الالتزام أيضًا بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك حرية التعبير التي تعدّ ضرورية لحماية المدنيين أثناء النزاعات، فانتهاك الحقوق الأساسية في حرية التعبير والحصول على المعلومات ليس له أي مبرر.

تصاعد الصراع الدائر إلى أزمة تتعلق بحرية التعبير في الأراضي الفلسطينية المحتلة وإسرائيل وخارجها؛ ومع تسارع تحول الوضع إلى  “كارثة إنسانية” تعرب منظمة المادة 19 عن قلقها البالغ إزاء عمليات القتل غير المسبوقة للصحفيين أثناء قيامهم بواجباتهم المهنية، واستخدام قطع الإنترنت، وقمع حرية التعبير والحق في الاحتجاج وزيادة الأذى وخطاب الكراهية عبر الإنترنت، وكلها ممارسات ستؤدي إلى تفاقم أعمال العنف والوفيات والانتهاكات والأزمة إنسانية على الأرض. 

يجب الحفاظ على الاتصالات في جميع الأوقات

حتى الآن، قطعت إسرائيل الإنترنت ثلاث مرات في غزة، كانت المرة الأولى في 27 أكتوبر/تشرين الأول، استمرت لما يقرب من 36 ساعة ثم في 1 نوفمبر/تشرين الثاني وأخيرا في 5 نوفمبر/تشرين الثاني. وأدى قطع الإنترنت إلى تفاقم الكارثة الإنسانية حيث فقدت المنظمات الإنسانية الاتصال مع عمال الإغاثة، ولم تستطع مؤسسات الإعلام الوصول إلى مراسليها – مما منعها من تقديم التقارير من غزة في الإبان أثناء تكثيف الغزو البري الإسرائيلي. ودعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى استعادة الاتصال فورا بعد قطع الإنترنت في 28 أكتوبر/تشرين الأول، وحتى خارج انقطاع التيار الكهربائي، تواجه الاتصالات الهاتفية والإنترنت في غزة تحديات بسبب نقص الوقود والأضرار التي ألحقتها قوات الدفاع الإسرائيلية بالبنية التحتية . 

تذكر منظمة المادة 19 أن الاتصال بالإنترنت يصبح بمثابة شريان الحياة في أوقات النزاع – فهو أمر حيوي لتوزيع المساعدات ولعمليات المنظمات الإنسانية وتمكين أولئك المحاصرين تحت الأنقاض من التواصل أو الاتصال بالإسعاف. وتعد الإنترنت أيضًا الوسيلة الأساسية التي يمكن للناس من خلالها توثيق وتبادل المعلومات حول الوضع على الأرض، بما في ذلك الفظائع التي تتكشف. أما عندما يتم قطع الإنترنت، فغالبًا ما تُرتكب انتهاكات حقوق الإنسان من دون عقاب. 

وحتى في أوقات النزاع لا يمكن تبرير  إغلاق أجزاء كاملة من أنظمة الاتصالات بأي حال من الأحوال بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، ومن المرجح أيضًا أن يؤدي قطع الإنترنت بالطريقة التي شهدناها في هذا الصراع إلى انتهاك عدد من قواعد القانون الدولي الإنساني. ويجب أن تلتزم الهجمات ضد أي بنية تحتية مدنية بقواعد الاستهداف، بما في ذلك التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية، ومبدأ التناسب وحظر الهجمات العشوائية، كما يحظر القانون الدولي الإنساني العقاب الجماعي الذي يحدث عند فرض عقوبات على الأشخاص من دون أساس قانوني واضح. 

إن الوضع الحالي يجعل “الحصول على المعلومات والأدلة المهمة (…) والاستماع مباشرة إلى من تعرضوا للانتهاكات أكثر صعوبة”، وحين يتم تنفيذ عمليات الإغلاق بهدف التغطية على انتهاكات القانون الدولي الإنساني، فإن ذلك يشكل خرقًا آخر للالتزام بضمان احترام القانون الدولي الإنساني بموجب المادة 1 المشتركة بين اتفاقيات جنيف والقانون الدولي العرفي، ويتطلب هذا الالتزام من الدول اتخاذ التدابير اللازمة لمنع حدوث الانتهاكات في المقام الأول وإتاحة المساءلة عن أي انتهاكات تحدث.

الصحفيون ليسوا هدفًا

يعتبر هذا الصراع الفترة “الأكثر دموية” بالنسبة إلى الصحفيين الذين يغطون الصراعات منذ أن بدأت لجنة حماية الصحفيين توثيق مقتل الصحفيين عام 1992، فحتى 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أبلغت اللجنة عن مقتل ما لا يقل عن 40 صحفيًا وعاملًا في مجال الإعلام، وإصابة 8 صحفيين، وفقدان 3. 

تذكر منظمة المادة 19 بأن القانون الدولي الإنساني واضح تمامًا: يعتبر الصحفيون مدنيين ولا يمكن أن يكونوا أهدافا عسكرية، وما زلنا نشعر بقلق عميق إزاء التقارير التي تُشير إلى احتمال استهداف العاملين في مجال الإعلام عمدا من قبل إسرائيل. 

يضطلع الصحفيون العاملون في مناطق النزاع بدور حيوي ويجب على الأطراف المتنازعة اتخاذ الخطوات اللازمة لحمايتهم، وعلى الرغم من ذلك، أبلغ الجيش الإسرائيلي رويترز ووكالة فرانس برس ووسائل إعلامية أخرى أنه لا يمكنه ضمان سلامة صحافيي هذه المؤسسات في قطاع غزة، وواصلت إسرائيل مهاجمة المواقع التي يعرف أنها تؤوي المدنيين والصحفيين.

كما شهد العديد من الصحفيين الفلسطينيين اعتقالات واعتداءات وتهديدات وهجمات سيبرانية، وقتل لأفراد أسرهم أثناء قيامهم بواجبهم الصحفي، والتبريرات المقدمة في بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية ومن دون وجود دليل هي أن بعض الصحفيين قد يكونون على صلة بحماس، مما يعرضهم لمزيد من المخاطر. 

يجب السماح لوسائل الإعلام بالدخول إلى غزة

منذ أكثر من عقد من الزمان، ظلت حرية وصول وسائل الإعلام إلى قطاع غزة مقيدة بشكل كبير. فمنذ الحصار الذي فرضته إسرائيل على غزة عام 2007، لا يُسمح للصحفيين بدخول القطاع من دون إذن من إسرائيل، وفي 31 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قامت بعض وسائل الإعلام الفرنسية بدعوة السلطات الإسرائيلية إلى توسيع نطاق الوصول الممنوح للصحفيين الدوليين في غزة، حتى تصل تقارير أكثر حيادية مباشرة من مركز الصراع إلى العالم. 

لا يمكن تبرير القيود الواسعة على حرية وصو الصحفيين إلى المعلومات دخول الصحفيين سواء بموجب القانون الدولي الإنساني أو القانون الدولي لحقوق الإنسان، فالحماية التي يوفرها القانون الدولي الإنساني للصحفيين المنخرطين في مهمات مهنية خطيرة في مناطق النزاع تفترض في الواقع القبول العام لمقدمي الأخبار في مناطق النزاع المسلح. علاوة على ذلك، فإن القيود المفروضة على وسائل الإعلام في مناطق النزاع – حتى حين تكون مستندة إلى معايير الأمن القومي – يجب أن تستوفي اختبار الضرورة والتناسب وتأخذ في الاعتبار الأهمية الأساسية للتغطية الموضوعية للنزاعات المسلحة من قبل الصحافة المستقلة، ولا تلبي القيود المفرطة التي تعمل على التحكم في التقارير المتعلقة بالنزاع هذه المعايير. 

في هذا السياق، يجب علينا أيضًا أن نعبّر عن قلقنا بشأن التأكيدات الأخيرة  من قبل شبكة سي أن أن CNN بشأن الشروط التي فرضتها إسرائيل حتى تتمكن الشبكة من ‘دمج’ مراسليها  مع جيش الدفاع الإسرائيلي، وقد وافقت سي آن أن على تقديم جميع المواد ومقاطع الفيديو إلى الجيش الإسرائيلي لمراجعتها قبل نشرها، مما يثير تساؤلات حول المفاضلات الإشكالية بين الوصول إلى التقارير واستقلاليتها. ويأتي ذلك وسط مخاوف قائمة بشأن كيفية تغطية وسائل الإعلام لهذا الصراع، وقد وقع 750 صحفيًا على بيان ينتقدون فيه التغطية غير المتكافئة للصراع ويعبرون عن قلقهم البالغ إزاء مقتل زملائهم في غزة. 

زيادة الرقابة 

في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أكد وزير الاتصالات الإسرائيلي أنه يسعى لإغلاق المكتب المحلي لقناة الجزيرة، متهمًا المكتب “بالتحريض المؤيد لحماس”، وبعد أيام قليلة، أقرت الحكومة الإسرائيلية إجراءات طارئة والتي تسمح بالإغلاق المؤقت للمؤسسات الإخبارية الأجنبية التي يُعتقد أنها تضر بالأمن القومي – مما يمهد الطريق لاحتمال إغلاق هذه المؤسسة الإعلامية. ويقال أنه يجري حاليا الحصول على موافقة وزير الدفاع الإسرائيلي ومجلس وزراء الأمن لإغلاق المكتب المحلي لقناة الجزيرة، وتفيد التقارير أيضًا أن الجيش الإسرائيلي أمر الشهر الماضي بإغلاق وكالة الأنباء الفلسطينية جي-ميديا (J-Media).

وتذكّر منظمة المادة 19 السلطات بأن حظر وسائل الإعلام – سواء كانت محلية أو أجنبية – يشكل تقييدًا شديدًا لحرية التعبير، ونادرًا ما يكون له ما يبرره. وفي حين أنه يمكن تقييد حرية التعبير لأسباب تتعلق بالأمن القومي، بموجب القانون الدولي،  إلا أن هذا التقييد يخضع لشروط صارمة، ويجب أن يوضح حظر وسائل الإعلام التهديدات المحددة التي قد تشكلها وسيلة إعلامية معينة على الأمن القومي، ويجب أن تكون أية قيود شفافة دائمًا، وأن تقدم دليلًا على ضرورة وتناسب الإجراء المحدد المتخذ، وأن تأخذ في الاعتبار التأثير الذي قد تحدثه هذه القيود على حق الجمهور في تلقي المعلومات، لا سيما في أوقات النزاع. 

لا ينبغي فرض أي قيود على وسائل الإعلام إلا باحترام الإجراءات القانونية الواجبة والشفافية ومن قبل جهة تنظيمية مستقلة لوسائل الإعلام وليس من قبل الفروع التنفيذية للحكومة المسؤولة عن الدفاع أو الأمن القومي أو القوات المسلحة. 

نحن أيضًا قلقون بشكل كبير بسبب ما أفادت به أحدث التقارير  من أن البرلمان الإسرائيلي أقر في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 تعديلًا على قانون مكافحة الإرهاب الذي يهدف، من بين أمور أخرى، إلى مكافحة “تطرف الأفراد من خلال الاستهلاك الإعلامي”؛ يضيف العديل جريمة جديدة تتعلق بـ “استهلاك المواد الإرهابية”، مما يمكّن، كما حذرت  من ذلكمجموعات مدافعة عن حقوق الإنسان، تجريم حتى الاستخدام غير الفعال أو السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي. إننا قلقون للغاية من إمكانية استخدام هذا التعديل لاستهداف الأفراد الذين تظهر أنشطتهم عبر الإنترنت معارضتهم للطريقة التي يتم بها إدارة هذا الصراع، خاصة في ظل التصنيفات السابقة لمنظمات المجتمع المدني الفلسطيني ككيانات إرهابية.  

ارتفاع مثير للقلق في معاداة السامية والإسلاموفوبيا 

جلب الصراع معه ارتفاعًا هائلًا في حالات خطابات الكراهية والهجمات المعادية للسامية والمعادية للإسلام، وسجل موقع “تل ماما”، ، الذي يجمع البيانات حول الهجمات المعادية للإسلام في المملكة المتحدة، 515 حادثة كراهية ضد المسلمين في الفترة ما بين 7 و29 أكتوبر/تشرين الأول، أي بزيادة سبعة أضعاف عن نفس الفترة من العام الماضي، وفي تصعيد مأساوي دوليًا، في يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول، قُتل طفل أمريكي من أصل فلسطيني يبلغ من العمر 6 سنوات -وديع الفيومي- وأصيبت والدته بجروح خطيرة على يد مالك المنزل الذي يستأجرونه في هجوم معادٍ للإسلام والفلسطينيين في إلينوي. 

وقد تعرضت المعابد اليهودية ومراكز الجالية اليهودية للهجوم في مدن حول العالم، بما في ذلك برلين ومونتريال، وقد واجه الشعب اليهودي تهديدات معادية للسامية ومضايقات وترهيب في الشوارع وفي أحيائهم، وفي المملكة المتحدة، على الأقل سُجّلت  893 حادثة معادية للسامية بين 7 و31 أكتوبر/تشرين الأول. 

إن الهجمات المعادية للسامية والمعادية للإسلام أمر مستهجن، ويجب على السلطات التأكد من خضوع الجرائم المرتكبة ضد المجتمعات الإسلامية واليهودية لتحقيقات وملاحقات قضائية مستقلة وسريعة وفعالة؛ وفي الوقت نفسه، نحذر من استخدام مثل هذه الحوادث كذريعة للحد من حرية التعبير بشكل غير مبرر إذ لا ترقى جميع أشكال خطاب الكراهية إلى مستوى الخطاب المحظور بموجب القانون الدولي. 

وسائل التواصل الاجتماعي لم تتعلم من أخطاء الماضي

في بيئة تتعرض فيها حرية التعبير للهجوم وتصبح قدرة الصحفيين على تقديم التقارير من غزة صعبة للغاية إن لم تكن مستحيلة، لا يمكن الإفراط في التأكيد على دور شركات وسائل التواصل الاجتماعي وقدرتها على السماح بانتشار المعلومات حول الأعمال العدائية داخل غزة وخارجها، وتعد أصوات المراسلين المحليين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي العاديين على الأرض أمرًا حيويًا في إعلام العالم بحقائق الصراع. 

ورغم دور شركات وسائل التواصل الاجتماعي الحاسم في هذا الصراع، ورغم تكرار النقد الذي تعرضت له بسبب تعاملها مع حالات الصراع السابقة، لا تزال هذه الشركات تخفق مرة بعد أخرى وبعدة طرق في الالتزام باحترام معايير حقوق الإنسان الدولية والقانون الدولي الإنساني ودعم حرية التعبير أثناء الصراعات. 

فمرة أخرى يتم إسكات الأصوات الفلسطينية على وجه الخصوص، على منصات التواصل الاجتماعي، فطالما اشتكى النشطاء الفلسطينيون من تعليق حساباتهم بشكل غير عادل، أو حظرها، أو تخفيض محتواها. وقد أظهر في استعراض لممارسات تعديل محتوى بـ “ميتا”  فيما يتعلق بإسرائيل وفلسطين، أنجز العام الماضي، وجود تحيز يؤثر سلبًا على المستخدمين الفلسطينيين وحقهم في حرية التعبير. وخلال الصراع الحالي، يواجه المستخدمون الفلسطينيون الآن ومرة أخرى مشكلات مماثلة، حيث قام تيك توك وأنستغرام بإغلاق أو تعليق حسابات الفلسطينيين الذين يشاركون أخبارا ميدانية من غزة. 

كان الصراع كذلك منذ البداية، مشوبا بانتشار المعلومات المضللة والمحتوى غير القانوني والتحريض على العنف على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد قامت أكبر المنصات، بما في ذلك ميتا وأكس في الأشهر الأخيرة بإجراء تقليص كبير في فرق الثقة والسلامة الخاصة بهم، مما يجعل مهمة التعامل مع مشكلات تعديل المحتوى أكثر صعوبة في الوقت الحالي . وعلى أكس، أدى قرار رفع المشاركات خوارزميًا لمشتركي الحسابات المدفوعة إلى زيادة الوصول إلى هذه الحسابات وساعد بالتالي على نشر معلومات مضللة وغير مؤكدة وتمجيد الرسائل الإرهابية. وقد تم الإبلاغ أيضًا عن أن افتقار تليغرام إلى الإشراف القوي على المحتوى، سمح لحماس بالاستخدام المكثف لبث مقاطع فيديو وصور عنيفة لهجماتها على مجتمعات جنوب إسرائيل في الزمن الفعلي.

وفي الوقت نفسه، يثير الحضور الرقمي واسع النطاق المدفوع لإسرائيل مخاوف حول تحويل المحتوى المرتبط بالصراع إلى أداة لتحقيق الربح.  وفي تقريره للعام 2022 عن المعلومات المضللة في النزاعات المسلحة، حذر المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية التعبير من دور إعلانات المحتوى المرتبط بالنزاعات أثناء النزاعات المسلحة، مشيرًا إلى أن “تحقيق الأرباح قد حدث على الرغم من سياسات الشركة التي ترمي إلى الحد من أنواع المحتوى التي تعتبر مناسبة للإعلانات”. 

منذ هجوم حماس، استثمرت إسرائيل بشكل كبير في استخدام إعلانات وسائل التواصل الاجتماعي، حيث نشرت إعلانات تستهدف بلدانًا وتركيبات سكانية محددة، لحشد الدعم لأعمالها الهجومية المستمرة، وقد تم الإبلاغ عن أن هذه الإعلانات على الإنترنت تتضمن مقاطع فيديو مصورة، ولا يزال يتعين إجراء مراجعة شاملة لمحتوى هذه الإعلانات للتأكد من صحة الادعاءات والإحصائيات المستخدمة. ويرجع ذلك جزئيًا إلى الافتقار إلى الشفافية وإمكانية الوصول إلى مستودعات الإعلانات، وحسب المعلومات الواردة فإن جوجل أزال نحو 30 إعلانًا يحتوي على صور عنيفة، مما يعني أنه لا يوجد سجل عام يشير إلى عرض مثل هذه الإعلانات لعدة أيام على موقع يوتيوب ، ونظرًا لإمكانية الانتشار الواسع للمحتوى الموجود في الإعلانات، يجب على المنصات توخي أعلى مستويات الحيطة والحذر لضمان أن تلك الإعلانات تتوافق مع للمعايير المجتمعية لكل منها. 

ارتفعت معاداة السامية وكراهية الإسلام بشكل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي، فعلى سبيل المثال، تظهر التقارير زيادة أكثر من 4963% في عدد التعليقات المعادية للسامية على مقاطع فيديوهات يوتيوب حول الصراع الإسرائيلي/ الفلسطيني وزيادة 422% باللغة المرتبطة بالكراهية ضد المسلمين على أكس. 

ويتسبب استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي لشركات التواصل الاجتماعي الكبرى في تفاقم هذا الأمر، فقد كان لاستخدام “ميتا” لأدوات الذكاء الاصطناعي تأثير سلبي إضافي على حقوق المستخدم، مما كشف التحيز المتأصل في تلك التقنيات. وعلى أنستغرام استبدل نموذج الترجمة الآلية عبارة “Palestinian الحمد الله”وتعني “فلسطيني” متبوعة بالعبارة العربية “الحمد لله” بعبارة “إرهابي فلسطيني”، وعلى تطبيق واتس أب، أنشأ مولد الصور بتقنية الذكاء الاصطناعي رموزًا تعبيرية لأطفال يحملون أسلحة حين يتم إدخال كلمة “فلسطيني” إليه، وقد دعت منظمات حقوقية فلسطينية وموظفو “ميتا” أنفسهم الشركة إلى اتخاذ إجراءات فورية لمعالجة هذا التحيز العميق الجذور الذي يعيد تأكيد الصور النمطية الضارة. 

يجب احترام الحق في الاحتجاج والتعبير عن التضامن 

منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، قوبلت مظاهر التضامن والاحتجاجات في جميع أنحاء العالم بحملات قمع وقيود متزايدة. 

في إسرائيل ألقت الشرطة القبض على مواطنين عرب عند تعبيرهم عن التضامن مع غزة على وسائل التواصل الاجتماعي، ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول اُعتقل 2200 فلسطيني في الضفة الغربية وحدها؛ ففي 6 نوفمبر/تشرين الثاني، على سبيل المثال، أكد الجيش الإسرائيلي اعتقال الناشطة الفلسطينية البارزة عهد التميمي خلال مداهمة في أراضي الضفة الغربية المحتلة، وكان والدها الذي أُلقي القبض عليه في مداهمة سابقة، ما زال رهن الاعتقال الإداري. وتظل منظمة المادة 19 قلقة للغاية إزاء استمرار الاعتقال الإداري الذي تستخدمه إسرائيل على نطاق واسع ضد الناشطين والمتظاهرين.   

في غرب أوروبا حظرت فرنسا وألمانيا عددًا من المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، وفي المملكة المتحدة، أثارت خطابات السياسيون الانقسام، حيث وصف وزير الداخلية الاحتجاجات بأنها “مسيرات كراهية” وضغط رئيس الوزراء على مسؤولي الشرطة لحظر مسيرة مقررة في نفس عطلة نهاية الأسبوع التي تقام فيها احتفالات بيوم الهدنة، كما أن التصنيف الشامل للمظاهرات ضد الحرب على أنها “موالية لحماس” أو الإيحاء بأنها تخريبية بطبيعتها يثير مخاوف جدية بشأن الحق في الاحتجاج في جميع أنحاء القارة وخارجها.

في مختلف البيئات المهنية حول العالم، من غرف الأخبار إلى الأوساط الأكاديمية وأماكن العمل تعرض الأفراد للمضايقة والترهيب وتهديد مناصبهم بسبب آرائهم حول الصراع، وردا على المخاطر المتزايدة التي يتعرض لها طلاب الولايات المتحدة في الحرم الجامعي من حملات الاستقصاء (الكشف عن الهوية الشخصية عبر الإنترنت ) والترهيب الجسدي، كتب اتحاد الحريات المدنية الأمريكي إلى مديري الكليات والمعاهد الأمريكية لتذكيرهم بأن معالجة معاداة السامية وكراهية الإسلام أمر في غاية الأهمية، ولكن لا يمكن أن يكون ذلك على حساب التعبير المشروع والسلمي وحثهم على “رفض الدعوات التي لا أساس لها للتحقيق مع المجموعات الطلابية أو معاقبتهم بسبب ممارسة حقوقهم في حرية التعبير”، وفي تطور آخر يثير القلق، وجه الكونغرس الأمريكي اللوم إلى العضوة الفلسطينية الوحيدة فيه بعد إدلاءها بتعليقات تنتقد إسرائيل وتدعم الفلسطينيين. 

يجب الوقف الفوري لإطلاق النار 

مع تصاعد الأزمة الإنسانية تتصاعد في غزة وزيادة عدد القتلى وارتفاع حدة التوترات التيوصلت إلى ما هو أبعد من الحدود الجغرافية للنزاع، تنضم منظمة المادة 19  إلى الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة والخبراء في دعوتهم إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار. ويجب على الأطراف المتحاربة الالتزام بالمعايير الدولية، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، ويجب التحقيق بشكل مستقل في أي انتهاكات للقانون الدولي تُرتكب أثناء النزاع، بما في ذلك من قبل المحكمة الجنائية الدولية ولجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلّة، بما في ذلك القدس الشرقية وإسرائيل.

كما ندعو بشكل عاجل إلى وضع حد لأزمة حرية التعبير التي رافقت هذا الصراع، في الأراضي الفلسطينية المحتلة وإسرائيل وخارجها، ويجب أن تكون حماية حرية التعبير والوصول إلى المعلومات في قلب الاستجابة لهذا الصراع.