تونس: تركيز السلطات بيد رئيس الجمهورية تهديد للحقوق وللحريات

تونس: تركيز السلطات بيد رئيس الجمهورية تهديد للحقوق وللحريات - Civic Space

Police control on Avenue Bourguiba, Tunis. Photograph: Luis_Martinez/ Shutterstock

تدين منظمة المادة 19 صدور أمر رئاسي جديد يمكّن الرئيس التونسي قيس سعيد من التحكم في السلطات الثلاث وهو ما يشكل تهديدًا خطيرًا لحقوق الإنسان وإحباطا لمسار الإصلاح الديمقراطي في البلاد.

يأتي الأمر الرئاسي[1]، الصادر في 22 سبتمبر 2021، ضمن حزمة من الإجراءات الاستثنائية لمعالجة عدم الاستقرار في البلاد، بما في ذلك الاحتجاجات المستمرة بعد شهرين من تعليق مجلس النواب وإقالة رئيس الوزراء.

في 25 جويلية2021، أعلن الرئيس الحالة الاستثنائية بناء على مقتضيات الفصل 80 من الدستور، إلا أنه علق فعليًا الدستور الحالي من خلال ضرب مبدأ الفصل بين السلطات. كما واصل الأمر الرئاسي الجديد تعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب، وأسند لرئيس الجمهورية الاختصاص التشريعي مباشرة بواسطة مراسيم، دون أي إمكانية للطعن فيها.

تعبر منظمة المادة 19 عن قلقها أيضًا من غياب أي تسقيف زمني بالرغم من وجوب أن تكون التدابير الاستثنائية مؤقتة، الأمر الذي من شأنه أن يضفي مزيدا من الغموض على المسار السياسي وتعزيز المخاوف بشأنه.

لقد تضمن الأمر المذكور مواصلة بإجراء تعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب ورفع الحصانة عن النواب مع إضافة إجراء جديد متمثل في إيقاف صرف أجور رئيس المجلس النيابي وأعضائه. كما تم بمقتضى الفصل 4 تمكين رئيس الجمهورية من سن مراسيم في 29 مجالا من المجالات التي يختص بها البرلمان مثل تنظيم القضاء والانتخابات والإعلام والصحافة. وعلاوة على ذلك، وقع تحصين المراسيم التي يصدرها الرئيس من كل رقابة قضائية وفقا للفصل 7.

أما في مجال السلطة التنفيذية فلقد وقع تغيير التوازنات من خلال تجريد رئيس الحكومة من أغلب صلاحياته ليتحول إلى مجرد مساعد لرئيس الجمهورية الذي يختص بتعيين أعضاء الحكومة وبضبط برامجها وتحديد أولوياتها. كما أن الحكومة مسؤولة أمام رئيس الجمهورية، عوضا عن البرلمان، الذي أصبح بإمكانه إعفاء عضو أو أكثر.

كما ألغى الأمر الرئاسي تقريبا العمل بدستور 2014 رغم تنصيصه على مواصلة العمل بالتوطئة الدستور وبالبابين الأول والثاني منه والمتعلقين بالمبادئ العامة والحقوق والحريات، وبجميع الأحكام الدستورية التي لا تتعارض مع التدابير الاستثنائية مع الأمر الرئاسي عدد 117.

وأخيرا نص الفصل 22 على إحداث لجنة من أجل مساعدة رئيس الجمهورية في وضع التعديلات المتعلقة بالإصلاحات السياسية.

التعسف على الدستور والاعتداء على المبادئ الأساسية

ننبه، أولا، إلى تعارض هذا الأمر الرئاسي مع أحكام الفصل 80 من الدستور الذي ينص على وجوب أن تكون التدابير المتخذة من طرف رئيس الجمهورية مؤقتة في الزمن ومن أجل التصدي للخطر الداهم. في حين أن التدابير المعلن عنها تعتبر دائمة في الزمن مثل إلغاء الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين أو تغيير القانون الانتخابي أو إحداث لجنة لوضع التعديلات على الدستور.

ثانيا، أسند رئيس الجمهورية إلى نفسه صلاحيات السلطة التشريعية التي تخول له اتخاذ مراسيم في مجالات متعددة مثل الأحزاب والجمعيات والمنظمات والهيئات الدستورية وتنظيم العدالة والقضاء والانتخابات والإعلام وحقوق الإنسان. كما حصن الفصل 7 هذه المراسيم من الرقابة القضائية، وهو ما يشكل انتهاكا صارخا لمبدأ الفصل بين السلطات، الذي يقتضي أن تخضع كل سلطة لرقابة السلطة الأخرى، وللفصل 102 من الدستور الذي يضع على عاتق السلطة القضائية ضمان علوية الدستور ومراقبة جميع النصوص القانونية والتثبت من مدى ملاءمتها للدستور.

وعلى صعيد آخر، نص الفصل 22 من الأمر الرئاسي على إحداث لجنة لصياغة التعديلات الدستورية والإصلاحات التشريعية المحددة من طرف رئيس الجمهورية. ويؤكد هذا الخيار على استفراد رئيس الجمهورية بالقرار السياسي لوضع إصلاحات أحادية في ظل غياب البرلمان وأي إرادة في تشريك القوى السياسية والاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني في بلورة خيارات تعكس تطلعات أفراد الشعب التونسي بجميع فئاته.

تهديد الإصلاحات الديمقراطية

تحذر منظمة المادة 19 من استغلال هذا الظرف الاستثنائي واتخاذ مراسيم في مجال الأحزاب والجمعيات والمنظمات والهيئات الدستورية وتنظيم العدالة والقضاء والانتخابات والإعلام وحقوق الإنسان بطريقة أحادية، في ظل تواصل تعليق اختصاصات البرلمان، ودون تشريك فعلي للقوى المدنية والاجتماعية والسياسية في البلاد والتشاور معها، خاصة وأنه لا يمكن الطعن في دستورية هذه المراسيم أمام القضاء، مما قد يشكل انحرافا بالسلطة وعقبة أمام إمكانية أي إصلاح ديمقراطي في البلاد.

كما نرى أن الإبقاء على الباب الثاني من الدستور المتعلق بالحقوق والحريات لا يمثل ضمانة حقيقية طالما وقع تجميد أو تعليق الآليات الدستورية لحمايتها، بما أنه أصبح بإمكان رئيس الجمهورية تنظيم الحريات بواسطة مراسيم غير قابلة للرقابة القضائية، علاوة على استحالة ممارسة البرلمان للرقابة السياسية على السلطة التنفيذية، بما أنه وقع تعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب.

وما يزيد قلقنا استفحال ظاهرة تشويه المعارضين لسياسات قيس سعيد في ظل إفلات تام من المحاسبة، مما يوفر مناخا ترهيبيا سيدفع بالأفراد نحو العزوف عن التعبير عن آرائهم بكل حرية، علاوة على غياب تعددية حقيقية في وسائل الإعلام التونسية[2] التي تجنب جزء كبير منها الخوض في المسائل السياسية أو بث مضامين إعلامية غير منحازة لمصلحة رئيس الجمهورية، مما سيساهم في انحسار النقاش العمومي والنفور عن المشاركة في الشأن العام في مرحلة جد دقيقة بالنسبة إلى مستقبل الديمقراطية وحقوق الإنسان في تونس.

التوصيات

من أجل حماية مسار الانتقال الديمقراطي في تونس، توصي منظمة المادة 19 بالتالي:

إلى رئيس الجمهورية:

  • الإعلان بوضوح عن التاريخ المحدد لرفع حالة الاستثناء والعودة إلى المسار الديمقراطي وفقا للمبادئ الديمقراطية المنصوص عليها صلب الدستور.
  • الالتزام بإجراء الإصلاحات السياسية بصورة تشاركية وشاملة تعكس جميع التيارات السياسية في تونس.
  • إرجاع الاختصاصات التشريعية للبرلمان عبر انتخابات تشريعية مبكرة.
  • ضمان الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وفقا للأحكام الدستورية وتجنب تركز جميع السطات بيد شخص واحد أو بيد لجان تابعة لشخص واحد.
  • الالتزام بالاحترام الكامل للمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان المصادق عليها من طرف الجمهورية التونسية.
  • ضمان عدم تتبع أعضاء مجلس نواب الشعب والمواطنين بسبب ممارستهم لحقهم في حرية التعبير.
  • وضع حد للسياسات أحادية الجانب واعتماد مقاربة تشاركية ومنفتحة على جميع فئات الشعب التونسي دون أي إقصاء أو تمييز.
  • تعيين أعضاء اللجنة على أساس الكفاءة والنزاهة وفقا لمسار تشاركي تعددي وشفاف.

إلى الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري:

  • ضمان التوازن في المشهد الإعلامي ونفاذ جميع التيارات السياسية إلى وسائل الإعلام.

إلى وسائل الإعلام:

  • الالتصاق بأخلاقيات المهنة الصحفية وتوخي الموضوعية والنزاهة في تغطية المسائل المتعلقة بالأزمة الدستورية والسياسية الراهنة.

إلى منظمات المجتمع المدني:

  • تكوين ائتلاف مدني واسع من أجل التصدي لجميع محاولات الارتداد عن المسار الديمقراطي.
  • مواصلة الدور الفعال الذي قام به المجتمع المدني منذ اندلاع الثورة، في ديسمبر 2010، في الرقابة على السلطات، ونشر قيم المجتمع الديمقراطي والتصدي للسياسات التي من شأنها المساس بالحقوق والحريات.

[1]للاطلاع علىالأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 المؤرّخ في 22 سبتمبر 2021 والمتعلق بتدابير استثنائية، أنقر هنا.

[2]يمكن الاطلاع على قرار الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري حول التعددية السياسية في الفترة التي تلت إعلان رئيس الجمهورية للحالة الاستثنائية عبر الرابط التالي:

https://haica.tn/wp-content/uploads/2021/09/Rapport-pluralisme-25-31-juillet-2021.pdf