الإمارات العربية المتحدة: منظمات حقوق الإنسان تجدد دعوتها إلى الإفراج عن الناشطين السلميين الذين أُدينوا على إثر محاكمة جماعية على قدر عظيم من الجور عُرفت باسم محاكمة “الإمارات 94”

بمناسبة حلول الذكرى السنوية الثالثة على بدء محاكمة 94 شخصاً بشكل جماعي بينهم أشخاص من منتقدي الحكومة ودعاة إصلاح، ناشدت 10 منظمات معنية بحقوق الإنسان حكومة الإمارات العربية المتحدة أن تقوم فوراً، ودون شرط أو قيد، بالإفراج عن جميع الذين سُجنوا عقب هذه المحاكمة الجائرة لا لشيء سوى لممارستهم سلمياً الحقوق المتعلقة بحريات التعبير عن الرأي وتشكيل الجمعيات والتجمع.

واستنكرت المنظمات تجاهل حكومة الإمارات العربية المتحدة لالتزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان، وتقاعسها عن تنفيذ التوصيات الصادرة عن خبراء الأمم المتحدة في حقوق الإنسان بشأن الإفراج عن الناشطين الذين صدرت بحقهم أحكام على إثر هذه المحاكمة الجائرة.

وكان العشرات من الناشطين بينهم مدافعون بارزون عن حقوق الإنسان وقضاة وأكاديميون وزعماء للطلبة قد دعوا سلمياً إلى توفير المزيد من الحقوق والحريات بما في ذلك الحق في التصويت بالانتخابات البرلمانية، وذلك قبل قيام السلطات باعتقالهم.  وتضمنت قائمة الناشطين المحاميْن البارزيْن في مجال حقوق الإنسان د. محمد الركن و د. محمد المنصوري والقاضي محمد سعيد العبدولي والزعيم الطلابي عبد الله الهاجري والطالب المدون خليفة النعيمي والمدون والمعلم السابق صالح محمد الظفيري و د. سلطان كايد محمد القاسمي، أحد كبار أعضاء الأسرة الحاكمة في إمارة رأس الخيمة.

وتحث المنظمات حكومة الإمارات العربية المتحدة على وقف ممارسة أساليب المضايقة، والاحتجاز التعسفي، والاختفاء القسري، والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، والمحاكمات الجائرة بحق الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان والأشخاص الذين يوجهون سهام النقد للسلطات، والتوقف عن التذرع بالأمن القومي من أجل قمع الحراك السلمي، وخنق الأصوات المنادية بالإصلاح.

وتهيب المنظمات الحقوقية العشر بحكومة الإمارات العربية المتحدة، التي تشغل منصب عضو مجلس حقوق الإنسان للدورة الثانية، بضرورة أن تبرهن بوضوح على تعاونها مع هيئات حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وذلك من خلال تنفيذ التوصيات الصادرة عن خبراء الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان بشأن صون الحق في حريات الرأي والتعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي.

ومتحدثاً أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في 1 مارس/ آذار 2016، أكد وزير الدولة للشؤون الخارجية في دولة الإمارات العربية المتحدة، الدكتور أنور قرقاش قائلاً: “نحن عازمون على الاستمرار في جهودنا الرامية إلى تعزيز صون حقوق الإنسان في الداخل والعمل بشكل بنّاء مع المجلس للتصدي لقضايا حقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم”.

وبصفتها أحد أعضاء مجلس حقوق الإنسان، يتعين على حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة أن تراعي تعهدها أمام باقي أعضاء المجلس بصون المعايير الدولية في مجال حقوق الإنسان، وعليها ألا تدخر جهداً على صعيد تنفيذ التوصيات المتعلقة بحقوق الإنسان بشكل فعال، وبخلاف ذلك فسوف تُثار الشكوكٌ حول مدى التزام الحكومة الإماراتية تجاه تعزيز وصون حقوق الإنسان داخل البلاد.

كما تناشد المنظمات الحقوقية العشر دولة الإمارات العربية المتحدة القيام بفتح تحقيق مستقل في المزاعم ذات المصداقية المتعلقة بتعذيب المحتجزين على أيدي موظفي جهاز أمن الدولة، بما في ذلك المبادرة فوراً إلى قبول طلب المقرر الأممي الخاص المعني بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، خوان مينديز، بشأن زيارة الإمارات العربية المتحدة خلال النصف الأول من عام 2016.

وبتقريرها المرفوع إلى مجلس حقوق الإنسان، في مايو/ أيار 2015، أوصت مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية باستقلال القضاة والمحامين، غابرييللا كنول بتشكيل هيئة مستقلة من المهنيين ذوي الخبرة الدولية في مجالات شتى، تتضمن الطب الشرعي وعلم النفس وأمراض الاضطرابات ما بعد التعرض للصدمات؛ كي تتولى التحقيق في جميع المزاعم المتعلقة بإرتكاب التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة أثناء الاعتقال و/ أو في الحجز. كما أوصت المقررة بأن تُمنح هذه الهيئة صلاحية الدخول إلى جميع مراكز الحجز، وإجراء مقابلات مع المحتجزين على انفراد، وعلى أن يوافق محامو الدفاع وعائلات المحتجزين على تشكيلة أعضائها.

و في 4 مارس/ آذار 2013، أعلنت الحكومة عن بدء محاكمة جماعية جائرة بحق 94 متهماً أمام دائرة أمن الدولة بالمحكمة الاتحادية العليا في أبو ظبي. وشملت المحاكمة إسناد التهم إلى ثمانية أشخاص ومحاكمتهم غيابياً. واستندت الحكومة إلى مواد مبهمة في قانون العقوبات من أجل اتهامهم “بتشكيل جمعية تهدف إلى الإطاحة بالحكومة” وهي تهمة أنكرها جميع الذين مثلوا للمحاكمة. و في 2 يوليو/ تموز 2013، أدانت المحكمة 69 متهماً منهم بما في ذلك الثمانية الذين حوكموا غيابياً، وحكمت عليهم بالسجن لمدد تتراوح بين سبع سنوات و15 سنة؛ فيما برأت ساحة 25 من المتهمين الآخرين بينهم 13 امرأة.

و في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2015، قامت حكومة إندونيسيا بإعادة عبد الرحمن بن صبيح إلى الإمارات العربية المتحدة قسراً، بصفته أحد المتهمين الذين حوكموا غيابياً. وكان عبد الرحمن يسعى إلى طلب اللجوء ليجد نفسه ضحيةً للاختفاء القسري في الإمارات العربية المتحدة، وخطر تعرضه للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة.

ولم تستوفي محاكمة “الإمارات 94” المعايير الدولية المرعية في مجال المحاكمات العادلة، وتعرضت لإدانات على نطاقٍ واسع من قبل منظمات حقوق الإنسان وهيئات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة. وقبلت المحكمة الاسترشاد باعترافات المتهمين كأدلة رسمية ضدهم؛ على الرغم من تراجعهم عنها أمام المحكمة بزعم قيام مستجوبيهم من جهاز أمن الدولة بانتزاعها منهم تحت وطأة التعذيب وغيره من أشكال الإكراه أثناء فترة احتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي قبيل المحاكمة، وحرمانهم من التواصل مع أحد خارج السجن بما في ذلك المحامين. كما تقاعست هيئة المحكمة عن الإيعاز بإجراء تحقيق محايد ومستقل في مزاعم المتهمين بشأن تعرضهم للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة أثناء احتجازهم سراً. كما حُرم المتهمون من الحق في الطعن أو الاستئناف أمام محكمة أعلى درجة فيما يشكل مخالفةً للقانون الدولي لحقوق الإنسان. وتُعد الأحكام الصادرة عن دائرة أمن الدولة بالمحكمة الاتحادية العليا قطعية وغير قابلة للطعن؛ على الرغم من أن الدائرة تعمل بصفة محكمة البداءة.

كما منعت السلطات التغطية الصحفية المستقلة لإجراءات المحاكمة، وحظرت حضور وسائل الإعلام الدولية والمراقبين المستقلين لجلساتها. كما حظرت السلطات على أقارب بعض المتهمين دخول قاعة المحكمة؛ فيما تعرض آخرون للمضايقة أو الاحتجاز أو السجن عقب انتقادهم إجراءات المحاكمة عبر موقع تويتر، وقيامهم بنشر مزاعم التعذيب التي جاءت على ألسنة المتهمين.

ولا زال المدون والناشط عبر تويتر عبيد يوسف الزعابي قيد الإحتجاز منذ اعتقاله في ديسمبر/ كانون الأول 2013؛ ومن الجدير بالذكر أن عبيد هو شقيق الدكتور أحمد الزعابي، أحد المتهمين في محاكمة الإمارات 94. وتمت مقاضاة عبيد أمام دائرة أمن الدولة بالمحكمة الاتحادية العليا على خلفية عدة تهم مستندة على تعليقاته التي نشرها عبر تويتر بشأن محاكمة “الإمارات 94″، بما في ذلك تهم من قبيل نشر “تعليقات تُشهّر بحكام دولة الإمارات العربية المتحدة باستخدام عبارات تحط من شأنهم وتتهمهم بالقمع” و “نشر أفكار وأخبار بهدف التهكم على مؤسسة حكومية والإضرار بسمعتها”.  وعلى الرغم من تبرئة ساحته في يونيو/ حزيران 2014، لا زالت السلطات تحتجزه بشكل تعسفي على الرغم من عدم وجود أساس قانوني يبرر استمرار حرمانه من حريته.

كما قُبض على الناشط عبر الإنترنت أسامة النجار، في 17 مارس/ آذار 2014، ولوحق بتهم تستند على رسائل له نشرها عبر تويتر للدفاع عن والده حسين علي النجار الحمادي أحد سجناء محاكمة الإمارات 94. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2014، حكمت دائرة أمن الدولة بالمحكمة الاتحادية العليا على أسامة بالسجن لمدة ثلاث سنوات بتهمٍ تتضمن “الإساءة إلى الدولة”، و زعم “التحريض على كراهية الدولة”.  كما أُدين أسامة بتهمة “الاتصال مع منظمات أجنبية وتزويدها بمعلومات غير دقيقة”، وذلك عقب لقائه مع مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية باستقلال القضاة والمحامين أثناء زيارتها الرسمية إلى الإمارات العربية المتحدة، في فبراير/ شباط 2014. وكحال غيره من المتهمين الذين أدانتهم هذه المحكمة، فلقد حُرم أسامة من حق التقدم باستئناف ضد الحكم.

وفي تقريره الصادر في مارس/ آذار 2015، عبر ميشيل فورست، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بأوضاع المدافعين عن حقوق الإنسان، عن عميق قلقه حيال اعتقال واحتجاز أسامة النجار بشكل تعسفي. وعبر عن خشيته من أن يكون اعتقال أسامة واحتجازه على علاقة بأنشطته المشروعة التي يمارسها دفاعاً عن العدالة وحقوق الإنسان في الإمارات العربية المتحدة، وجراء تعاونه مع الأمم المتحدة وآلياتها المعنية بحقوق الإنسان. وناشد المقرر الخاص الحكومة الإماراتية أن تكفل إمكانية مزاولة المدافعين عن حقوق الإنسان لأنشطتهم المشروعة، في ظل بيئة آمنة، ومناخٍ مواتٍ، بما في ذلك من خلال فتح قنوات تواصلهم دون عائق مع هئيات حقوق الإنسان الدولية من قبيل الأمم المتحدة وآلياتها وممثليها في مجال حقوق الإنسان دون خوف من التعرض للمضايقة، أو الوصم أو التجريم بأي شكل من الأشكال.

كما عبرت المنظمات الحقوقية العشر عن قلقها حيال سن تشريعات رجعية وتعديلات أُدخلت على قوانين قمعية أفضت إلى مزيد من القمع لحقوق الإنسان. فلقد سنت السلطات، في يوليو/ تموز 2015، قانوناً جديداً بشأن مناهضة التمييز والكراهية، من خلال إدراج أحكام ونصوص فضفاضة الطابع فيه، من شأنها أن تؤدي إلى المزيد من التراجع في الحقوق المتعلقة بحريتي التعبير وتشكيل الجمعيات. ويعرف القانون خطاب الكراهية على أنه “أي كلام أو سلوك يحرض على الانفصال أو الإخلال بحقوق الأفراد أو الجماعات الأخرى أو التمييز ضدهم … باستخدام كلمات أو كتابات أو رسومات أو إشارات أو تصوير أو غناء أو تمثيل أو إيحاء”، وينص على فرض عقوبة لا تقل عن السجن خمس سنوات وغرامات باهظة. كما يمنح القانون المحاكم صلاحية حل الجمعيات التي تُصنف على أنها جمعيات تنشر مثل هذا الخطاب، وسجن مؤسسيها 10 سنوات، حتى لو يكن للجمعية نفسها أو مؤسسها دور مباشر في مثل هذا الخطاب. وفي فبراير/ شباط 2016، تم تعديل القانون القمعي الصادر في 2012 والمعني بمكافحة الجرائم الإلكترونية، بحيث شدد العقوبات المنصوص عليها، حيث سبق وان استُخدم القانون في حبس عشرات الناشطين وغيرهم ممن عبروا عن انتقادهم للحكومة بشكل سلمي، وشمل ذلك رفع الحد الأدنى للغرامة من مائة ألف درهم (نحو 27226 دولاراً أمريكياً) إلى مليوني درهم إماراتي (ما يعادل 44 552 دولارا أمريكياً).

وما انفكت سلطات الإمارات العربية المتحدة تلجأ على نحو متزايد لاستخدام هذه القوانين، وغيرها من التشريعات، كوسائل لإسكات المعارضة السلمية وغير ذلك من أشكال التعبير عن القضايا العامة، وإصدار أحكام طويلة بالسجن بحق المدافعين عن حقوق الإنسان أو الذين ينتقدون الحكومة بشكل سلمي.

وتهيب المنظمات الحقوقية العشر بحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة القيام بما يلي:

  • الإفراج فوراً ودون شروط عن جميع المحتجزين أو السجناء على خلفية ممارستهم السلمية لحقوقهم المتعلقة بحرية التعبير وتكوين الجمعيات وحرية التجمع؛
  • منع استمرار عمليات الاحتجاز السري، واستحداث ضمانات تحول دون ارتكاب التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، بما يكفل التحقيق بشكل كامل ومستقل في جميع المزاعم المتعلقة بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة؛
  • ضمان حصول جميع المحرومين من حريتهم على محاكمات عادلة وعلنية أمام محكمة مستقلة ومحايدة، بما يتسق والمعايير الدولية في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في الاستئناف ضد الحكم الصادر أمام محكمة أعلى درجة؛
  • تعديل القوانين التي تفرض قيوداً غير مبررة على الحقوق المتعلقة بحرية التعبير وتكوين الجمعيات وحرية التجمع، والعمل على اتساق جميع القوانين مع كامل المعايير الدولية في مجال حقوق الإنسان؛
  • التعاون مع هيئات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان وتطبيق التوصيات الصادرة عنها؛
  • قبول طلب المقرر الخاص المعني بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة بشأن زيارة الإمارات العربية المتحدة خلال النصف الأول من عام 2016؛
  • السماح بدخول منظمات حقوق الإنسان المستقلة إلى الإمارات العربية المتحدة، بما في ذلك السماح بدخول المنظمات الموقعة على الرسالة المفتوحة الحالية والتعهد بتنفيذ توصياتها.

المنظمات الموقعة:

منظمة المادة 19

منظمة العفو  الدولية

الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان

الاتحاد الدولي للقلم/ فرع إنكلترا

مركز الخليج لحقوق الإنسان

منظمة المؤشر الخاص بالرقابة

لجنة الحقوقيين الدولية

الخدمة الدولية لحقوق الإنسان

لجنة رصد حقوق المحامين في كندا

الاتحاد الدولي للقلم

Posted In