في اليوم الدولي لتعميم الانتفاع بالمعلومات، تعرب منظمة المادة 19 عن قلقها إزاء التراجع المستمر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فيما يتعلق بالحق في في الوصول إلى المعلومات. فما زالت المنطقة تواجه تحديات قانونية ومؤسسية وثقافية تعيق قدرة المواطنين على ممارسة حقهم في الوصول إلى المعلومات والمشاركة الفعّالة في الحياة العامة. وفي هذه المناسبة، ندعو دول المنطقة إلى الوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، من خلال ضمان اعتماد وتنفيذ قوانين الحق في الحصول على المعلومات بما يتماشى مع المعايير الدولية، وتعزيز آليات الرقابة.
يُعد الحق في الوصول إلى المعلومات حجر أساس للحكم الديمقراطي والمساءلة وتمكين حقوق الإنسان. فهو يسمح للمواطنين/ات بالمشاركة في صنع القرار، ومساءلة السلطات، والحصول على الخدمات العامة الأساسية. غير أنّ تحقيق هذا الحق في المنطقة لا يزال محدودًا، حيث تستمر التحديات الكبيرة أمام التمتّع به وممارسته، سواء في التشريعات أو في التنفيذ العملي، مما يقيّد قدرة المواطنين/ات على ممارسة هذا الحق الأساسي بشكل كامل.
الإطار القانوني: الثغرات وتحديات التنفيذ
ما زالت عدة دول في المنطقة تفتقر إلى قوانين شاملة تضمن الحق في الوصول إلى المعلومات. فمصر والجزائر ومعظم دول الخليج، على سبيل المثال، لا تملك تشريعات خاصة في هذا المجال، رغم سنوات من النقاشات حول مشاريع قوانين. هذا الفراغ القانوني يحرم ملايين المواطنين من حق معترف به دوليًا، ما ينعكس مباشرة على حياتهم اليومية وعلى حقوقهم الإنسانية الأوسع.
في العراق، اقترحت الحكومة مشروع قانون الحق في الحصول على المعلومات، وأحالته إلى البرلمان في أكتوبر 2023. وبدأ البرلمان مناقشة المشروع في عام 2024. وقد أثار المشروع مخاوف جدية لدى منظمات محلية ودولية بسبب غموضه وكثرة الاستثناءات الفضفاضة فيه، إضافة إلى غياب اختبار الضرر واستثناء المصلحة العامة، مما دفع الكثيرين للمطالبة بسحبه. وأطلقت منظمات محلية حملات شارك فيها العديد من الأطراف، وسعت إلى تعديل المشروع عبر التواصل مع البرلمانيين وتنظيم نقاشات شاملة. وفي 17 سبتمبر 2025، كان من المقرر أن يعقد البرلمان جلسة للتصويت على المشروع، لكنها لم تُعقد بسبب فقدان النصاب. ومن المزمع أن يُصوّت البرلمان على المشروع في 1 أكتوبر 2025 حسب بيان لمجلس النواب العراقي. تدعو منظمة المادة 19 إلى اعتماد نهج تشاركي في عملية اعتماد القانون، يتضمن جدولًا زمنيًا واضحًا، وضمان التشاور مع المجتمع المدني وأصحاب المصلحة الآخرين.
في الأردن، ورغم أنّ التعديلات التي أُدخلت على قانون الحصول على المعلومات عام 2024 عززت النشر الاستباقي، ووسّعت نطاق المستفيدين، وحسّنت مشاركة المجتمع المدني في مجلس المعلومات، إلا أنها أخفقت في إدخال اختبارات الضرورة والتناسب كشرط لحجب المعلومات، وأبقت على استثناءات واسعة، وحافظت على الغموض في مصطلحات مثل “السبب المشروع”. هذه النقائص مجتمعة تقوّض فعالية القانون وتحدّ من الوصول الفعلي إلى المعلومات.
أما في لبنان، فيواجه قانون الحق في الحصول على المعلومات الصادر عام 2017 تحديات كبيرة في التنفيذ بسبب الأزمات الاقتصادية والسياسية المستمرة. وقد أشار أول تقرير سنوي حول تطبيق القانون، الذي نُشر في أفريل/أبريل 2025 بالتعاون مع الأمم المتحدة، إلى ضعف تجاوب المؤسسات الحكومية وعدم تفعيل آليات الرقابة بشكل كامل. ويواجه قانون الكويت لعام 2020 عقبات مماثلة، من بينها غياب معايير واضحة وتأخيرات في الاستجابة للطلبات، إضافة إلى شرط “المصلحة المشروعة” غير المعرّف بدقة، ما يقيّد وصول المواطنين. أما في اليمن، فالقانون غير مطبّق إطلاقًا بسبب عدم الاستقرار المستمر.
التحديات المؤسسية بما في ذلك ضعف آليات الرقابة
في المغرب، ما زال تنفيذ القانون 31-13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات، الذي تم تبنيه عام 2018 ودخل حيز النفاذ في مارس 2020، يواجه تحديات كبيرة. فاللجنة المكلفة بالإشراف على تنفيذ القانون (CDAI) تفتقر إلى الاستقلالية المؤسسية، إذ تعمل تحت سلطة رئيس الحكومة، ويرأسها رئيس اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية. بينما تقتضي المعايير الدولية أن تكون هذه الهيئات مستقلة إداريًا ووظيفيًا عن السلطات العمومية. علاوة على ذلك، ورغم أن القانون يُلزم اللجنة بنشر تقرير سنوي حول أنشطتها وتنفيذ القانون، لم يتم الوفاء بهذا الالتزام بشكل كامل منذ تعيين أعضائها في مارس 2019. ورغم تعهد الحكومة بتعديل القانون لمعالجة هذه النقائص، لم يتم تحديد جدول زمني واضح لهذه الإصلاحات.
حتى في الدول التي تملك قوانين قوية للحق في الحصول على المعلومات، غالبًا ما يتم تقويض التنفيذ بسبب ضعف المؤسسات.
في تونس، قامت الحكومة في أغسطس/ أوت 2025 بحل هيئة النفاذ إلى المعلومة (INAI)، وهي الهيئة المستقلة الوحيدة المسؤولة عن ضمان حق المواطنين في الحصول على المعلومات العامة. وقد ألغى هذا القرار ضمانة أساسية للشفافية والديمقراطية في تونس. إن غياب الاستقلالية المؤسسية وضعف القدرات التنفيذية يضعف قدرة هيئات الرقابة على اتخاذ قرارات فعّالة ومحايدة، خصوصًا في القضايا الحساسة التي تشمل مؤسسات حكومية رفيعة المستوى. ونتيجة لذلك، غالبًا ما يُحرم المواطنون من ممارسة حقهم في الحصول على المعلومات، رغم وجود ضمانات قانونية شكلية.
إن الحق في في الوصول إلى المعلومات هو حق أساسي للتمتع بباقي حقوق الإنسان. فهو يمكّن المواطنين والمواطنات من المشاركة الفعّالة في الحياة العامة، واتخاذ قرارات مبنية على معرفة، ومساءلة الحكومات. وفي المنطقة، يكتسب هذا الحق أهمية خاصة في مكافحة الفساد، وتحسين جودة الخدمات العامة، وحماية البيئة والصحة العامة، والتصدي للمعلومات المضللة. ومن ثم، نكرر دعوتنا إلى دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، من خلال ضمان اعتماد وتنفيذ قوانين الحق في الوصول إلى المعلومات، بما يتماشى مع المعايير الدولية، وتعزيز آليات الرقابة التي تسهر على تكريس هذا الحق على أرض الواقع.