تونس: على الحكومة التونسية مراجعة الأمر الحكومي المتعلق بتوزيع المساعدات المالية لقطاع الإعلام الخاص

تونس: على الحكومة التونسية مراجعة الأمر الحكومي المتعلق بتوزيع المساعدات المالية لقطاع الإعلام الخاص - Media

Tunis, Tunisia. 19th December 2009. Red tunisian flag with crescent and star waving on a famous monument on the Place de la Kasbah, Capital of the country, Tunis. Prior to Arab Spring in 2009.

تدعو منظمة المادة 19 الحكومة التونسية إلى سحب الأمر الصادر في 20 نوفمبر بشأن المساعدات المالية لقطاع الإعلام الخاص لمجابهة تداعيات تطبيق إجراءات التوقي من انتشار فيروس كورونا. لقد فشل هذا الأمر في تحديد الشروط المناسبة، التي يمكن وفقا لها أن تستفيد المؤسسات الإعلامية من المساعدة المالية، بتركيزه فقط على الوضع المؤسسي وإغفاله في المقابل إلى شروط أخرى مثل احترام أخلاقيات الصحافة، والقيام بالتقارير الإعلامية المبتكرة والمتضمنة لمعلومات مفيدة حول الحقائق المتعلقة بالأزمة الصحية. كما أن مسار توزيع المساعدات يفتقر إلى الشفافية الكافية وإلى مشاركة المجتمع المدني وأصحاب المصلحة الآخرين. نحث الحكومة على التراجع عن هذا الأمر الحكومي وتدارك هذه النقائص من أجل ضمان تلاؤم أحكامه مع المقتضيات الدستورية والمعاير الدولية بشأن حرية التعبير.

أصدرت الحكومة التونسية يوم 20 نوفمبر 2020 أمرا متعلقا بضبط شروط وإجراءات الانتفاع بالمساعدات الظرفية لفائدة القطاع الخاص للإعلام لمجابهة تداعيات تطبيق إجراءات التوقي من انتشار فيروس كورونا.

ويأتي هذا الأمر تطبيقا لأحكام الفقرة الأولى من الفصل الثامن من مرسوم رئيس الحكومة عدد 30 لسنة 2020، المؤرخ في 10 جوان 2020 والمتعلق بإجراءات لدعم أسس التضامن الوطني ومساندة الأشخاص والمؤسسات تبعا لتداعيات انتشار فيروس كورونا. وقد نصت هذه الفقرة على أنه ” تُخصص اعتمادات في حدود مبلغ 5 ملايين دينار تُحمل على ميزانية الدولة لدعم الخطة الاتصالية للدولة في مجابهة تداعيات تطبيق إجراءات التوقي من انتشار فيروس كورونا “كوفيد-19″، ودعم القطاع الخاص للإعلام المتضرر من تطبيق هذه الإجراءات. تنتفع بالدعم المذكور المؤسسات الإعلامية الوطنية والجهوية والجمعياتية التابعة للقطاع الخاص وتشمل الصحف والإذاعات والتلفزات. تضبط شروط وإجراءات الانتفاع بالدعم المذكور بمقتضى أمر حكومي.”

اكتفى الفصل الثاني من الأمر الحكومي بالشروط ذات الطابع الإداري والمالي، التي يجب أن تتوفر في المؤسسة الإعلامية حتى تتمكن من الحصول على المساعدة المالية، مثل الشرط المتعلق بالوضعية تجاه السجل الوطني للمؤسسات أو الصندوق الوطني للضمان الاجتماع أو بالوضعية الجبائية.

ولئن يعتبر من الضروري وضع هذا الصنف من الشروط، إلا أنه كان على الحكومة أن تضع شروطا أخرى متعلقة باحترام أخلاقيات المهنة الصحفية ودعم التثقيف الإعلامي وبعث ممارسات صحفية مبتكرة ودعم الصحافة الدقيقة والموثوقة من أجل ضمان تلاؤم المساعدات العمومية للإعلام مع المعايير الدولية التي تؤكد على أنه ينبغي على الحكومات والهيئات العمومية ألا توظف ولايتها على المال العام لتحاول التأثير على المادة الإعلامية. [1]

كما يتعين أيضا وضع معايير موضوعية تمكّن من تقييم المساهمة الفعلية للمؤسسة الإعلامية في التصدي لفيروس كورونا من خلال نشر معلومات دقيقة عن الأزمة الصحية، والتحقق من الشائعات، وإحداث نقاش عام مفتوح من خلال إتاحة مناقشة قرارات السلطات من أجل ضمان احترام الغاية من المرسوم، خاصة وأن مجلس نواب الشعب فوّض إلى رئيس الحكومة اتخاذ المراسيم من أجل غرض محدد وهو مجابهة تداعيات انتشار فيروس كورونا. إلا أن الشروط المذكورة صلب الفصل الثاني من الأمر الحكومي لا تُمكّن من التثبت من مدى احترام الغاية من هذه المساعدات المالية وهو ما يتعارض مع أحكام الفصل العاشر من الدستور، الذي جاء فيه أن “الدولة تحرص على حسن التصرف في المال العمومي (…).”

ومن أجل احترام مقتضيات الفصل العاشر المذكور، ينبغي أن يقع تحديد المصلحة العامة المستهدفة من الدعم العمومي وألا يقع استعماله لتقويض استقلالية الخط التحريري لوسائل الإعلام.

من جهة أخرى، نص الفصل الرابع من الأمر الحكومي على أنه ” تُحدث لدى رئيس الحكومة لجنة استشارية تتولى دراسة مطالب الانتفاع بالدعم الظرفي.” وتتركب هذه اللجنة حسب الفصل الخامس من ممثل عن رئيس الحكومة وممثل عن المصالح المكلفة بالإعلام والاتصال برئاسة الحكومة وممثل عن الوزارة المكلفة بالمالية وممثل عن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وممثل عن الديوان الوطني للإرسال الإذاعي والتلفزي.

وتعكس هذه التركيبة هيمنة مطلقة للسلطة التنفيذية على حساب تشريك منظمات المجتمع المدني وباقي الفاعلين في مجال حرية الإعلام والصحافة وهو ما يُصيّر المسار برمته مفتقرا للشفافية والتشاركية والانفتاح، ويفتح الباب إلى إمكانية توزيع المساعدات المالية وفقا لاعتبارات مخالفة للدستور التونسي وللغرض من التفويض التشريعي. لذلك فإنه ينبغي أن تقع مراجعة تركيبة اللجنة حتى تكون مفتوحة أمام المهنيين ومنظمات المجتمع المدني ذات الصلة حتى يكون الرأي الاستشاري للجنة مبنيا على معطيات موضوعية تأخذ بعين الاعتبار المصلحة العامة المستهدفة من المساعدات المالية.

ونتيجة للإخلالات المذكورة أعلاه، تدعو منظمة المادة 19 الحكومة التونسية إلى سحب الأمر الحكومي المتعلق بضبط شروط وإجراءات الانتفاع بالمساعدات الظرفية لفائدة القطاع الخاص للإعلام لمجابهة تداعيات تطبيق إجراءات التوقي من انتشار فيروس كورونا قصد مراجعته حتى يكون مستجيبا للأحكام الدستورية والتشريعية والمعايير المذكورة.

ويمكن في هذا الصدد الاطلاع على الدراسة التي أعدتها منظمة المادة 19 سنة 2018 حول النظام المتعلق بالمساعدات العمومية للإعلام التونسي في سياق الانتقال الديمقراطي[2] والتي تحتوي على المعايير الدولية الواجب احترامها في مجال المساعدات العمومية للإعلام والتي يمكن الاستئناس بها عند إعداد النصوص القانونية المتصلة بهذا المجال.

 

[1] البيان المشترك بين مقرر الأمم المتحدة المعني بحرية الرأي والتعبير وممثل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا المعني بحرية الإعلام والمقرر الخاص لمنظمة الدول الأمريكية المعني بحرية التعبير سنة 2002.

[2] يراجع:

https://www.article19.org/wp-content/uploads/2020/05/livret-State-aids-final-Ar.pdf